مرحباً بك

في السنوات الأخيرة، أصبح العالم أكثر ترابطًا بشكل متزايد، حيث تقلصت المسافات بسبب التقدم السريع في وسائل الإعلام الحديثة. هذه التطورات جعلت الأحداث العالمية تصل إلينا بسرعة أكبر وأحيانًا بطرق صادمة. من نزاعات الحدود وجائحة كوفيد-19 إلى الفيضانات والتوترات الدينية، مرورًا بالرفض المتزايد لقبول الأقليات الثقافية التي حافظت على تقاليدها لقرون، يبدو واضحًا أن الخوف والتحيز أصبحا يسيطران على العديد من المجتمعات والثقافات في تعاملها مع بعضها البعض.

على مدار القرن الماضي، شهد العالم قمعًا ملحوظًا للثقافات من قبل الدول الأعضاء، مما أسهم في تعزيز الانقسامات واستغلال الأطراف المتبادلة. وقد تم التخطيط لاندلاع الحروب على الرغم من وجود أكثر من 269 دولة وإقليم حول العالم. ومع الأسف، تُستغل الديمقراطية وحقوق النقض (الفيتو) من قبل الحكومات لتحقيق مصالح خاصة عوضًا عن السعي لتحقيق المصلحة العامة العالمية.

تتمثل رسالة "الثقافات المتحدة" في دعم جميع الثقافات حول العالم. ويكمن دورها الأساسي في تعزيز الوعي بالتقاليد والممارسات الفريدة لمختلف الثقافات وتعزيز التفاهم لتحقيق التقارب بين الناس بدلاً من التفرقة بينهم. هذا المسعى لا يعد مجرد أمر مهم، بل أصبح أولوية ضرورية لتأسيس "الثقافات المتحدة" في كل دولة عضو.

بحلول عام 2030، سيتم تأسيس الهيئة الحكومية المشتركة للثقافات، والتي ستضم 269 دولة ومنطقة عضو لتمثيل أكثر من 1000 ثقافة متنوعة حول العالم. سيتجاوز هذا الكيان الحدود الوطنية التي رُسمت قبل قرون، مع التركيز على الاحتفاء بالتنوع الثقافي. تسعى الهيئة إلى تقدير الهويات التي تشكلت من خلال التقاليد واللغات والارتباط بالمواطن الطبيعية، بعيدًا عن القيود التي فرضتها الحدود السياسية القديمة.

على عكس الهيئات الحكومية التقليدية، لن تستخدم "الثقافات المتحدة" حق النقض في القضايا الثقافية. وبدلًا من ذلك، سيتم التعامل مع النزاعات عبر الجمعية العامة لمجلس العالم للثقافات المتحدة، بهدف إيجاد حلول ثقافية بدلاً من السياسية. ستسترشد القرارات المتعلقة بالشؤون الثقافية بنظام تصويت، حيث يتعين على الدول الأعضاء والمجتمعات العمل بجدية لحل التحديات الثقافية الخاصة بها من خلال الحوار. سيشارك وزراء الثقافة إلى جانب ممثلي الثقافات المختلفة في مجلس العالم للثقافات المتحدة، في حين ستقوم المنظمات غير الحكومية بدور استشاري. هذا المشروع يتطلب مستوى عالياً من المسؤولية من جميع الأطراف المشاركة في "الثقافات المتحدة".

ستركز المنظمة على تنفيذ مشاريع تحقق استدامة اقتصادية داخل المجتمعات، مما يسهم في إيجاد فرص حالية ومستقبلية للجميع. وستبدأ بالاستفادة من الموارد الطبيعية مع السعي لتبادل المعرفة، وتوفير الأدوات اللازمة، وتعزيز التجارة العادلة ضمن ظروف إنسانية. تسعى ثقافات متحدة إلى تقليل النزاعات بين الدول الأعضاء من خلال تعزيز الروابط بين الثقافات عبر مشاريع تعنى بمجالات الصحة، والدين، والثقافة، والاقتصاد، والتعليم، والعلم، والسياسة، والتكنولوجيا.

ستتردد أصداء هذه المبادرات الموضوعية عبر المجتمعات، مما يبرز كيف يمكن للتنوع أن يكون مصدر إثراء بدلاً من أن يكون عامل فرقة. وبالإضافة إلى معالجة القضايا المحددة، تهدف هذه المبادرات إلى المساهمة في النمو الاقتصادي للدول الأعضاء المشاركة. ومع تحول العالم إلى "قرية عالمية"، يصبح من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن تسعى الدول ومواطنيها إلى توحيد هذه الثقافات في إطار سعي مشترك نحو اتحاد ثقافي عالمي يمثل تحدياً جماعياً للبشرية تحت مظلة الهيئة الحكومية الدولية للثقافات المتحدة.

صرّح أوغست رينان بشكل شهير بأن الأمة لا تتألف من مجموعة من الناس المنتمين إلى نفس العرق ويعيشون معًا، بل من أفراد يختارون الاجتماع والتعايش معًا. وعلى هذا الأساس، تجسد "الثقافات المتحدة" هذا المفهوم بشكل عملي، موضحة قدرتها على توحيد المجتمعات المتنوعة لتحقيق هدف مشترك.